مع أن الإهتمام بالمشروعات الصغيرة والأفراد مثل طوق نجاة للكثير من دول العالم النامي والمتقدم بعد مرور اقتصادياتها بالعديد من المنعطفات في الأزمة المالية العالمية الأخيرة ، والسودان كدولة من بين تلك الدول أقر بأهمية تمويل هذه المشروعات لما لها من دور في بناء قاعدة لمشروعات تنموية كبيرة تساعد في مكافحة الفقر بإنتهاجه لسياسات معينة بواسطة الجهاز المصرفي إلا أن هنالك مايستدعي القول بقصور ما يكتنف تلك السياسات بعد فشلها في أن تكون طوق نجاه للتاجر المعروف بسوق أمدرمان « عمرابي « الذي وضع حداً لحياته بإطلاقه رصاصتين على رأسه بعد أن تقدم بطلب إلى احد المصارف للحصول على قرض لتغطية ظروف مالية قاسية كان يمر بها الا أن المصرف رفض تمكينه من ذلك.
فالأنشطة الإقتصادية والإحتياجات الشخصية تعد من بين المعاملات المالية التى يفترض ان يمولها الجهاز المصرفي وذلك بمساعدة الصناعات الصغيرة والأفراد في إيجاد القروض المناسبة لها ... لكن الواقع يقول إلى حدٍ ما غير ذلك فهنالك الكثير من النماذج التى قدمت لـ « الصحافة « تجربتها الشخصية ومحاولاتها في الحصول على قروض وكانت كل الإفادات تجمع على انها باءت بالفشل مما جعلها « أي تلك الشخصيات « تجمع على ان دراسة الجدوى غير ذات جدوى وكان خيار البحث عن وسيلة اخرى ملتوية هو الحل. وبإستصحاب ماسبق كان لابد ان نبحث عن إجابة لسؤال واحد هو : ماهي الأسباب التى تجعل دور البنوك في عملية الإقراض غير فاعل ؟ وماهي الحلول المناسبة لحل هذه المشكلة ؟
التاجر عثمان عميل لأحد البنوك سألته عن تجربته في التعامل معها قال : تفترض البنوك حسب سياستها أنها قادره على تمويل كافة الأنشطة والمشاريع الفردية أو الجماعية بتوفير شرط وجود جدوى إقتصادية للمشروع مع ضمان « عقار وخلافه « أكبر من قيمة القرض يمكن التصرف فيه في حال الإعسار ويذهب إلى أن توفر الضمان الشخصي هو الوسيلة الأكثر قدره على جلب التمويل حالياً فكما قال : لايتم النظر إلى دراسات الجدوى بل يكون السؤال الأساسي : « ضماناتك شنو ؟ « وهنا يعلق قائلاً : ( لوما عندك ضمان مقنع « واسطة قوية « أوراقك مابتطلع من إدارة الإستثمار ) ، ويضيف : مايحدث للبنوك في الوقت الحالي من إفلاس يرجع إلى سياستها تلك والتى تقوى بها الشخصيات المعروفة في السوق بإعتبار أنها مضمونه في إسترداد القروض في الوقت الذي تسببت هذه الشخصيات في إهدار أموال البنوك بجانب تخوفاتها تجاه القروض الصغيرة والتى هي الأكثر إسترداداً إذا راجعت هذه البنوك حساباتها .
الخبير الإقتصادي محمد الناير يقول لـ « الصحافة « في هذه النقطة : البنوك السودانية كانت خلال السنوات الماضية حكراً لتمويل الفئات القادرة فقط نسبة لتوفر الضمانات اللازمة سواء كانت عقارات او غيرها لذلك كما قال لم يجد المواطن البسيط حظه خلال تلك الفترة برغم الجهود التى يبذلها بنك السودان حول تنشيط عملية التمويل الأصغر بإعتماد 12% من حجم التمويل بكل المصارف الا أن البنوك لم تلتزم على الإطلاق بهذه النسبة وان إلتزمت فبنسبة ضئيلة للغاية .ويشير إلى ان هنالك سببين وراء ذلك هما : الأول : مشكلة الضمانات رغم ان هنالك إتجاهاً لإيجاد ضمانات ميسرة تصل إلى ضمانات اللجان الشعبية بالأحياء الا أنه ليس هنالك ضمان لإستجابة المصارف لهكذا خيار ، والثاني : ضعف عائدات المشروعات الصغيرة وبالتالي إيراداتها للبنوك مما يجعل البنك يفضل تمويل شخص واحد بدون خاطر بنفس تمويل ألف شخص وهذا كما قال يقودنا للبحث عن الحلول الممكنة والتى يقول فيها : بإمكان بنك السودان إنشاء حوالي 8 مؤسسات متخصصه في التمويل الأصغر أو ان يكون محفظة تجمع فيها النسبة التى قررها على البنوك لدعم التمويل الأصغر وهي نسبة 12% تؤخذ من البنوك التجارية وان تكون هذه النسبة ملزمة بالإضافة للإعتمادات المخصصة من بنك الإدخار والأسرة ويمكن ان تكون هذه المحفظة تحت إدارة المصرفين أو تكون لها إدارة مستقلة ذات خبرة في المجال وتقوم هذه المحفظة على أساس إلتزام بنك السودان والمالية بتقديم ضمانات للبنوك بسد النقص الذي يطرأ على المحفظة سنوياً مع تيسير الحصول على تلك القروض بهامش ربح مخفض ويذهب إلى أن هذا أبسط مايمكن أن يقدمه بنك السودان والمالية لحل هذه المشكلة خصوصاً وأنها تصب في مجال مكافحة الفقر وهو من أولى السياسات التى يفترض ان تدعمها الدولة علماً بأن كل المؤشرات تقول بأن فئة المشروعات الصغيرة هى الفئة الأعلى من ناحية إسترداد القروض من كبار رجال الأعمال .
المستشار القانوني دكتور عبدالقادر غالب نجده يتفق مع ماذهب إليه الإقتصادي الناير في مقال منشور بعنوان : « ماذا ينقص التمويل الأصغر ليكون في الطريق الصحيح « يقول غالب : إن الوضع الأمثل هو ما عليه العمل في جميع دول العالم، هو تأسيس مؤسسة عامة أو صندوق لضمان التمويل الأصغر بل إن هناك بعض البلدان فيها وزارات خاصة تسمى «وزارة دعم و ضمان تمويل المؤسسات الصغيرة و المتوسطة»، و هذه المؤسسات العامة أو الصناديق أو الوزارات كما قال : لديها ميزانيات و أموال خاصة لضمان التمويل الأصغر وعند فشل العميل في السداد يلجأ البنك مباشرة لها لسداد المبلغ وبهذا تكون الدولة هي صمام الأمان والضمان الكافي للتمويل الأصغر و بهذا لا تتعرض بنوك التمويل الأصغر للإفلاس أوالانهيارويضيف قائلا : إذا رجعنا مثلا لأمريكا أو أوربا أو آسيا، نجد أن هذه الدول جميعها قامت بانتهاج سياسة دعم التمويل الأصغر لقناعتهم التامة بأهميته وقامت أيضا في نفس الوقت بإنشاء مؤسسات حكومية أو وزارات خاصة لضمان التمويل الأصغر من مال الدولة و مال دافع الضرائب و لم تترك البنوك في مهب الريح. و لهذا نقول إن الأمر ما زال ناقصا في السودان و من المستحسن إنشاء مؤسسة عامة لضمان التمويل الأصغر وهذا ليس صعب المنال و سيتمم النقص الذي ليس له ما يبرره.
الأستاذ الجامعي حافظ إسماعيل في ورقة علمية « الموازنة وتحديات محاربة الفقر « ، التى قدمت في ورشة إقتصاديات الأحزاب السياسية يسند هذه النقطة قائلاً : البنوك هي واحدة من الأدوات الأساسية التى تستخدمها الدولة في التحكم في حجم الكتلة النقدية المتداولة وتوفير السيولة اللازمة لتحريك الإقتصاد ويرى أن إحجام البنوك عن منح القروض غالباً مايكون في أوقات الأزمات خوفاً من إعسار المدينين فهذه الأزمات كما قال تكون في الغالب نتيجة للديون الهالكة الناتجة عن الإقراض غير المرشد مما يجعل البنك في حالة تعسر كبير تؤدي إلى خسائر تضعف ميزانياتها بحيث لاتفي بالمعايير الخاصة بالسيولة وكفاية رأس المال. ويرى ان ماتعرضت له البنوك السودانية في هذا الصدد أضعف الثقة فيها مما جعل أغلب التعاملات المالية تتم خارجها وقد ساعد على ذلك عدم وجود نظام لتحفيز المدخرين ويشير إلى أن إرتفاع خدمة الدين وزيادة حالات الإعسار خاصة في قطاع الزراعة جعلت دور البنوك غير فاعل في مساعدة الصناعات الصغيرة والأفراد في إيجاد القروض اللازمة لتمويل الأنشطة الإقتصادية والإحتياجات الشخصية ويذهب إلى أن على الدولة إذا أرادت أن يكون للبنوك دور فاعل في دعم قطاع الأعمال والأفراد أن تقوم بإصلاح الجهاز المصرفي هيكلياً وذلك بتقوية ميزانياتها عن طريق زيادة رؤوس أموالها وتخفيض خدمة الديون المقروضة على المقترضين مع تعديل صيغة الأقراض المتبعة حالياً لصيغة أكثر مرونة وأقل تكلفة مع إصلاح نظام القروض الصغيرة للمناطق الريفية بحيث تراعي طبيعة أنشطتهم الإقتصادية .
ماتجدر الإشارة إليه ان بنك السودان كان قد إعترف في ورشة عن التمويل الأصغر نهاية العام المنصرم بالتعاون مع الإتحاد العام لنقابات عمال السودان : بمشاكل تواجه التمويل الصغير والأصغر وكان قد طرح بعض الحلول لها من تلك المشاكل : قلة وجود خدمات ومنتجات متناسبة مع طبيعة وإحتياجات المستهدفين والتى تمثلت أغلبها في التمويل قصير الأجل عبر المرابحات والسلم ومانتج عن ذلك من تكلفة عالية لقيمة التمويل وقصر أجله وحرمان المتعاملين معه من الحصول على أرباح مجزية وذلك لإرتباط السداد بإنتهاء فترة الحصاد مباشرة « السلم « مع قلة الضمانات المناسبة لعملاء التمويل الأصغر وذلك لعدم وجود أطر قانونية وتشريعية له بجانب غياب الأنظمة المؤسسية لضمان التمويل « صناديق ومؤسسات الضمان « وذلك لمقابلة الكثير من التحديات التى تواجه صغار المنتجين من موت مبكر للمشاريع نتيجة الكوارث الطبيعية والإقتصادية أو وفاتهم أو عدم قدرتهم على العمل نتيجة الإعاقة والتى يمكن تعويضها عبر محفظة أو صندوق ضمان.
نقلا عن صحيفة الصحافة اليومية
0 التعليقات:
إرسال تعليق