د. أحمد برقاوي
(ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل)
يختصر هذا الشطر من البيت الشعري وعياً عميقاً جداً بقوة الأمل، وضرورته من أجل الوجود الإنساني.
والأمل بالتعريف: الثقة بأن ما تتمناه -سواء أكان ما تتمناه أمراً شخصياً أو أمراً عاماً- سوف يتحقق. وإن شئت أن تعرّف الإنسان تعريفاً شبه دقيق لقلت: الإنسان حيوان آمل.
والحق أن الإنسان الطبيعي يمضي عمره في حقل الآمال مهما بلغ من العمر عتياً. ولأن التعريف السابق تعريف دقيق باستطاعتنا القول إن الإنسان الخلو من الآمال ليس بإنسان.
إن هو إلا كلام معروف، ولأنه معروف فإنه يؤسس عليه قول آخر فيه من الخطورة ما يجب أن يلتفت إليها. وأقصد هزيمة الآمال.
ذلك إن وصول الإنسان إلى حالٍ من المآزق لا يستطيع معها السير قدماً يلقيه في وجود عبثي من جهة، وينمي لديه غريزة التدمير من جهة ثانية. وما الإحباط الذي يتحدث عنه علم النفس المرضي إلا حالة من حالات هزيمة الآمال بشكل مستمر.
لماذا يوصل فقدان الأمل إلى العبث، وما معنى العبث.
الأمل يمنح الوجود معنى، ومعنى أن للوجود معنى يعني أنك تعيش من أجل أن تحقق غاية ما. والآمال غايات.
فانهزام الأمل هو انهزام للغايات، ذلك أن الإنسان لم يعد لديه معنى لوجوده. وإذ يفقد الوجود المعنى، تصبح الأشياء لدى الكائن سواء.
والعبث يفضي إلى نوع من العدمية السلبية، حيث لا اكتراث بالحياة كما يجب أن تُعاش.
تبرز خطورة العبث والعدمية بوصفهما صفتين للإحباط المستمر في عدم الاهتمام بما يعصف بالوطن من أخطار أو تهديد.
اللا مبالاة بكل شيء، فتموت شيئاً فشيئاً روح الانتماء، ونزعة الدفاع عن الحياة المهددة. ذلك أن العبث والعدمية السلبية يفضيان إلى النظر إلى الموت على أنه أمر عادي جداً.
ولعمري إذا فقد أبناء أي وطن حب الوطن نتيجة فقدان الأمل فإن ركوداً -لا محال- سيقع.
أما الخطر الأكبر من موت الآمال وأحلام البشر ووصولهم إلى حال الإحباط المرضي فهو في بروز غريزة التدمير المعبر عنها بالعنف.
ذلك أن الإنسان الذي نمت لديه غريزة التدمير واستخدام العنف يعتقد أنه يبحث عن معنىً لحياته عبر هذا التدمير. فينخرط في جماعات مسلحة ذات أيديولوجيات عنيفة شمولية.
هناك -في هذه الجماعات - يحصل على اعتراف بوجوده أولاً. ويتلقى أيديولوجيا واعدة ثانياً، حتى ولو كان تحقيق الأيديولوجيا أمراً مستحيلاً.
خطر الأيديولوجيا التي تتوسل العنف كبيراً جداً ودورها في تزييف الوعي أكبر.
فما الذي يجري فعلاً؟ الذي يجري أن فاقد الأمل المحبط يعتقد أنه في تبنيه الأيديولوجيا الواعدة، وبخاصة الأيديولوجيا الأصولية، يكتسب أملاً في الحياة، يكتسب معنى لوجوده.
ها هو الآن يحمل آمالاً كبرى لا تتحقق -كما يعتقد- إلا بالقوة.
يتحول معتنق الأيديولوجيا الواعدة المسلح بالقوة إلى متعصب، بحيث لا يتحمل أي نوعٍ من أنواع الاختلاف معه. إن هذه الأيديولوجيا التي يؤمن بها -هي من وجهة نظره - أيديولوجيا تنطوي على الحقيقة المطلقة. وكل ما عداها زائف وكاذب. ولهذا فإنه يحمل في أحشائه عداءً شديداً وقدرة هائلة على نفي الآخر. فالآخر المختلف لا وجود له على الإطلاق، وإن وجد فيجب إزاحته عن الحياة عن طريق القتل.
وإذا ما تفشت هذه الظاهرة في المجتمعات فإن دماراً شاملاً سيحدق بالأوطان.
وإذا ما استعاد البشر آمالهم في الحياة ورسموا صورة زاهية لما يجب أن يكون فإنهم عملياً يستعيدون معنى الحياة. وهنا يجب النظر إلى هذا الأمر بكل جدٍ. ذلك أن إحباط هؤلاء مرة أخرى إلى حد فقدانهم لآمالهم سينذر بكارثة أصعب من كارثة الحركات العنفية.
إن الإنسان يطمح دائماً لما يجب أن يكون وليس إلى ما هو كائن. لأن الإنسان هو مشروع دائم لا ينتهي إلا بانتهائه.
ولأن الإنسان مشروع، ولأن المشروع يحتاج إلى إرادة للتحقيق ولأن الإرادة الساعية لتحقيق المشروع لا يمكن أن تقوم بمهمتها دون أن تكون إرادة حرة. فإننا نصل إلى النتيجة الأهم: عالم ما يجب أن يكون يحتاج لكي يتحقق إلى الكائن الحر. فالحرية وحدها تمنح الإنسان معنى لوجوده، حين يكون حراً في صناعة آماله، في صناعة مشروعه، حراً في السير نحو تحقيق هذا المشروع، حراً في الوسائل التي لا تنال من حرية الآخرين.
(ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل)
يختصر هذا الشطر من البيت الشعري وعياً عميقاً جداً بقوة الأمل، وضرورته من أجل الوجود الإنساني.
والأمل بالتعريف: الثقة بأن ما تتمناه -سواء أكان ما تتمناه أمراً شخصياً أو أمراً عاماً- سوف يتحقق. وإن شئت أن تعرّف الإنسان تعريفاً شبه دقيق لقلت: الإنسان حيوان آمل.
والحق أن الإنسان الطبيعي يمضي عمره في حقل الآمال مهما بلغ من العمر عتياً. ولأن التعريف السابق تعريف دقيق باستطاعتنا القول إن الإنسان الخلو من الآمال ليس بإنسان.
إن هو إلا كلام معروف، ولأنه معروف فإنه يؤسس عليه قول آخر فيه من الخطورة ما يجب أن يلتفت إليها. وأقصد هزيمة الآمال.
ذلك إن وصول الإنسان إلى حالٍ من المآزق لا يستطيع معها السير قدماً يلقيه في وجود عبثي من جهة، وينمي لديه غريزة التدمير من جهة ثانية. وما الإحباط الذي يتحدث عنه علم النفس المرضي إلا حالة من حالات هزيمة الآمال بشكل مستمر.
لماذا يوصل فقدان الأمل إلى العبث، وما معنى العبث.
الأمل يمنح الوجود معنى، ومعنى أن للوجود معنى يعني أنك تعيش من أجل أن تحقق غاية ما. والآمال غايات.
فانهزام الأمل هو انهزام للغايات، ذلك أن الإنسان لم يعد لديه معنى لوجوده. وإذ يفقد الوجود المعنى، تصبح الأشياء لدى الكائن سواء.
والعبث يفضي إلى نوع من العدمية السلبية، حيث لا اكتراث بالحياة كما يجب أن تُعاش.
تبرز خطورة العبث والعدمية بوصفهما صفتين للإحباط المستمر في عدم الاهتمام بما يعصف بالوطن من أخطار أو تهديد.
اللا مبالاة بكل شيء، فتموت شيئاً فشيئاً روح الانتماء، ونزعة الدفاع عن الحياة المهددة. ذلك أن العبث والعدمية السلبية يفضيان إلى النظر إلى الموت على أنه أمر عادي جداً.
ولعمري إذا فقد أبناء أي وطن حب الوطن نتيجة فقدان الأمل فإن ركوداً -لا محال- سيقع.
أما الخطر الأكبر من موت الآمال وأحلام البشر ووصولهم إلى حال الإحباط المرضي فهو في بروز غريزة التدمير المعبر عنها بالعنف.
ذلك أن الإنسان الذي نمت لديه غريزة التدمير واستخدام العنف يعتقد أنه يبحث عن معنىً لحياته عبر هذا التدمير. فينخرط في جماعات مسلحة ذات أيديولوجيات عنيفة شمولية.
هناك -في هذه الجماعات - يحصل على اعتراف بوجوده أولاً. ويتلقى أيديولوجيا واعدة ثانياً، حتى ولو كان تحقيق الأيديولوجيا أمراً مستحيلاً.
خطر الأيديولوجيا التي تتوسل العنف كبيراً جداً ودورها في تزييف الوعي أكبر.
فما الذي يجري فعلاً؟ الذي يجري أن فاقد الأمل المحبط يعتقد أنه في تبنيه الأيديولوجيا الواعدة، وبخاصة الأيديولوجيا الأصولية، يكتسب أملاً في الحياة، يكتسب معنى لوجوده.
ها هو الآن يحمل آمالاً كبرى لا تتحقق -كما يعتقد- إلا بالقوة.
يتحول معتنق الأيديولوجيا الواعدة المسلح بالقوة إلى متعصب، بحيث لا يتحمل أي نوعٍ من أنواع الاختلاف معه. إن هذه الأيديولوجيا التي يؤمن بها -هي من وجهة نظره - أيديولوجيا تنطوي على الحقيقة المطلقة. وكل ما عداها زائف وكاذب. ولهذا فإنه يحمل في أحشائه عداءً شديداً وقدرة هائلة على نفي الآخر. فالآخر المختلف لا وجود له على الإطلاق، وإن وجد فيجب إزاحته عن الحياة عن طريق القتل.
وإذا ما تفشت هذه الظاهرة في المجتمعات فإن دماراً شاملاً سيحدق بالأوطان.
وإذا ما استعاد البشر آمالهم في الحياة ورسموا صورة زاهية لما يجب أن يكون فإنهم عملياً يستعيدون معنى الحياة. وهنا يجب النظر إلى هذا الأمر بكل جدٍ. ذلك أن إحباط هؤلاء مرة أخرى إلى حد فقدانهم لآمالهم سينذر بكارثة أصعب من كارثة الحركات العنفية.
إن الإنسان يطمح دائماً لما يجب أن يكون وليس إلى ما هو كائن. لأن الإنسان هو مشروع دائم لا ينتهي إلا بانتهائه.
ولأن الإنسان مشروع، ولأن المشروع يحتاج إلى إرادة للتحقيق ولأن الإرادة الساعية لتحقيق المشروع لا يمكن أن تقوم بمهمتها دون أن تكون إرادة حرة. فإننا نصل إلى النتيجة الأهم: عالم ما يجب أن يكون يحتاج لكي يتحقق إلى الكائن الحر. فالحرية وحدها تمنح الإنسان معنى لوجوده، حين يكون حراً في صناعة آماله، في صناعة مشروعه، حراً في السير نحو تحقيق هذا المشروع، حراً في الوسائل التي لا تنال من حرية الآخرين.
0 التعليقات:
إرسال تعليق